يبدو أنّ نظريّة المؤامرة أصبحت تستهوي الكثيرين من بيننا، حتى أصبحنا نشكّك بكرويّة الأرض! ولكن إلى أيّ حدٍّ نحن واثقون من كرويّة الأرض؟ هل هي مؤامرة بالفعل؟ لنتابع الآن في جزئنا الثاني بعضًا من النقاشات العلميّة والإثباتات حول كرويّة الأرض.
أقرّ البشر بكرويّة الأرض، وبأنّها تدور حول نفسها وحول الشمس منذ مدّة طويلة، معتمدين على دلائل ووسائل علميّة، بعد أن اعتقدوا بأنّ الأرض مسطّحة والشمس تدور فوقها.
– بدايةً، هل يمكنك رسم مثلث له ثلاث زوايا قائمة؟
في الحقيقة يمكنك هذا ولكن ليس على جسمٍ مسطّح بل على جسمٍ كرويّ، حيث أنّك إذا انطلقت من موقعك الحاليّ بمسارٍ مستقيم، ثمّ انعطفت بعد مسافة ما بزاوية قائمة، ثم سرت بخطٍ مستقيم أيضًا لنفس المسافة، وانعطفت بزاوية قائمة أيضًا، وتابعت مسيرك بخطٍّ مستقيم، ستعود إلى النقطة التي انطلقت منها، وهذا يعني بأنّ الأرض عبارة عن جسم كرويّ.
• لننتقل الآن إلى القمر، فسيقدّم لنا دليلاً آخر:
كان القمر قديمًا موضع حيرة ودهشة بالنسبة لجميع الحضارات بظواهره وعاداته، فمنهم من اعتبره قطعة من الجبنة، وآخرون اعتبروه إلهًا.اهتم اليونانيّون بمراقبته ودراسته عن كثب، فقدّموا تفسيرًا ساعد في تحديد شكل كوكبنا، ومنهم “أرسطو” الذي لاحظ من خلال مراقبته لخسوف القمر (أي عندما تتوضّع الأرض على مدارها بين الشمس والقمر مشكلةً ظلًا على سطح القمر)، أنّ ظِلّ الأرض المتشكّل على القمر منحني، وبما أنّ الأرض تدور فهذا يقدّم دليلًا قويًا على أنّ الأرض كرويّة وليست دائريّة فحسب. وإن كنت مشكّكًا في دوران الأرض، فتابع تجربة بندول “فوكو” في موقع "الفضائيون". ويمكنك رؤية ظلّ الأرض هذا بنفسك من خلال مراقبتك لخسوف القمر.
•إذا جلست على الشاطئ يومًا مراقبًا الأفق، ستشهد بنفسك دليلًا على كرويّة الأرض، فالسفن المقتربة من بعيد لن تظهر في الأفق فجأة (كما هو مفترض لو أن الأرض كانت مسطّحة)، بل سترتفع تدريجيًا من البحر، والسفن المبتعدة ستختفي في الأفق بدايةً من الأسفل.
لتوضيح هذا، تخيّل نملة تسير على سطح برتقالة، فإذا وضعت البرتقالة أمام عينيك مباشرة سترى النملة ترتفع تدريجيًّا من الأفق نتيجة انحناء سطح البرتقالة، وهذا ينطبق على الأجسام المتحرّكة على سطح الأرض الكرويّة:
يمكنك أيضًا أن تشهد دليلًا على كرويّة الأرض إذا سافرت من بلدٍ إلى آخر، حيث أنّك ستلاحظ تغيّر مجموعات النجوم التي ألفتها في بلدك، كلما ابتعدت عن موطنك تتّجه النجوم المألوفة نحو الأفق حتى تختفي في النهاية، وتظهر في نفس الوقت تدريجيًّا مجموعات جديدة من النجوم، وقد ترى مجموعات مقلوبة رأسًا على عقب بحسب مكانك.
وكان “أرسطو” أوّل من لاحظ بعد رحلته إلى مصر نجومًا يمكن رؤيتها هناك، ولا يمكن رؤيتها في القسم الشماليّ من الأرض، وكرويّة الأرض وحدها التي تفسّر هذه الظاهرة، وستوضّح الصور الآتية لك هذا:
•ابحث عن عصاوين متماثلتين تمامًا في مكانين مختلفين من الأرض يبعدان عن بعضهما مسافةً ما، فسيتشكّل لكلّ منهما ظلّ يتغيّر مع الوقت (بالمناسبة فإنّ هذا هو مبدأ الساعة الشمسيّة القديمة)، ولكنّك إذا قمت بقياس طول ظليّهما في نفس الوقت ستلاحظ أنّهما مختلفان بالطول! كما توضح الصورة:
لو كانت الأرض مسطّحة لكان الظلّان المتشكّلان متماثلين تمامًا، لأنّ الأشعّة القادمة من الشمس متوازية دائمًا، ومن جديد فإنّ كرويّة الأرض من تسبب بهذا. وقد استخدم “إراتوستينس” الليبيّ والذي عاش بالأسكندريّة هذه الطريقة لقياس محيط الأرض:
إذا ذهبت يومًا ما في رحلة لاستكشاف منطقة ما مصطحبًا معك منظارًا، فكيف ستختار المكان الأفضل لتمركزك؟
بالتأكيد سوف تبحث عن أعلى مكان يمكنك تسلّقه، حيث ستتمكّن من الرؤية لمسافة أبعد كلما ارتفعت، وهذا أمرٌ معروف بالنسبة لغالبيتنا، وقد يفسّر البعض هذه الظاهرة بوجود العقبات في مجال الرؤية وامكانيّة التغلّب عليها بالارتفاع، ولكنّ التفسير الحقيقيّ لها يعود إلى انحناء سطح الأرض، حيث ستلاحظ هذه الظاهرة حتى في المناطق الخالية من العقبات كما توضح الصورة:
لو كانت الأرض مسطّحة لن تحتاج لهذا، فحتى لو كنت في مكان غير مرتفع لن تتغير مسافة الرؤية، اذ سترى نفس الشيء لو أنك صعدت لمرتفع:
يمكن للطائرات أيضًا أن تساعدنا، فهي لا تسقط عن حافّة الأرض مهما استمرّت بالطيران بمسارٍ مستقيم، بل سوف تدور حول الأرض عدة دورات دون توقف، وتمر من النقطة التي انطلقت منها في كل مرّة، كما فعل “ماجلان” برحلته حول الأرض بسفنه، فقد عاد إلى النقطة التي انطلق منها (في الحقيقة فقد توفي ماجلان قبل إتمام هذه الرحلة، ولكنّ إحدى السفن التي كانت في حملته أتمّت الدورة).
إذا صعدت على متن هذه الطائرة فستلاحظ بنفسك انحناء الأفق إذا نظرت من نافذتها، وعندما تهبط هذه الطائرة في مكانٍ ما بعيد عن وطنك الأم، فستلاحظ اختلاف التوقيت، وجميعنا يعلم بهذا الاختلاف بين مناطق العالم، فالتوقيت في نيويورك يختلف عن التوقيت في سوريا، ويختلف عن التوقيت في المغرب على سبيل المثال، وهذا يُفسَّر بكون الأرض كرويّة وتدور حول محورها، حيث تنير الشمس الجزء المقابل لها بينما يكون الجزء الآخر مظلمًا، فيختلف توقيت الليل والنهار بين مكان وآخر.
ولو فرضنا أنّ الأرض مسطّحة والشمس تتحرك فوقها منيرةً الجزء أسفلها، فسيمكننا رؤية الشمس حتى عند حلول الظلام، وهذا الأمر لا يحدث.
كوكبنا كوكب الأرض يختلف عن الكواكب الأخرى بخصائص عديدة، وأهمّها وجود الحياة على سطحه، فلم نتمكّن حتى الآن من العثور على الحياة في كواكب أخرى، ولكن عند دراسة الكواكب المختلفة التي تشكّلت بظروف مختلفة، وتبعد عن بعضها مسافات شاسعة، نجد أنّها تملك خصائص مشتركة ومنها الكرويّة، فجميع الكواكب المرئيّة بالنسبة لنا كرويّة الشكل ( بسبب التوازن الهيدروستاتيكي، سنتحدث عن هذا في موضوع قادم )، وكوكبنا واحد من هذه الكواكب، وما من مبررٍ لاختلافه عن جميع هذه الكواكب بالشكل، فقد أحرز الإنسان خلال السنوات الأخيرة قفزات نوعيّة في مجال استكشاف الفضاء من خلال التلسكوبات وتصوير الكواكب ورصدها، وأرسل العديد من البعثات والأقمار الصناعيّة، التي التقطت بدورها الكثير والكثير من الصور لكوكبنا الذي ظهر كرويًّا في جميع هذه الصور دون استثناء.
الآن نترككم مع بعض الصور:
تعاقب الليل والنهار حسب النموذج المقدم للأرض المسطحة
صورة هزلية لتموقع "الأرض المسطحة" في المجموعة الشمسية
بعد كل الذي قيل عليكم أن تكونوا يا أصدقائي مطمئنين ومؤمنين حتى النخاع بأن الارض كرويّة بدون أدنى شك.
المصادر:
منقول من موقع "الفضائيون" مع بعض التعديلات: https://www.aliens-sci.com/shape-of-the-earth-part2/
موقع "الباحثون المسلمون": https://muslims-res.com/هل-الأرض-كروية-spherical-أم-مسطحة-flat-؟.html/