برلين في العام 1890، كانت ألمانيا بلدا جديداً، توحد حديثاً ويتوق ليصبح قوة صناعية، شركات الهندسة الجديدة في ألمانيا الموحدة حديثاً تنفق الملايين لشراء براءات الاختراع الأوروبية لاختراع أديسون الجديد؛ المصباح الكهربائي، لقد كان مثالاً للتكنولوجيا الحديثة، رمز متفائل للتطور، أدركت شركات الهندسة سريعاً أن بناء مصابيح الشوارع في الإمبراطورية الألمانية الجديدة، سيعود عليها بثروات هائلة، لكن ما لا تدركه هو أن ذلك سيتسبب بثورة علمية أيضاً، هذا الغرض المتواضع مسؤول عن ولادة أهم فرضية في مجال العلوم بأكمله؛ ميكانيكا الكم، لأنه في العام 1900 سبب المصباح الكهربائي مشكلة غريبة؛ لاحظ المهندسون أنهم إذا سخنوا فتيل المصباح فإنه سيتوهج، لكن الفيزياء التي تثبت هذا لم تكن معروفة بتاتاً، شيء بسيط مثل العلاقة بين حرارة الفتيل ولون الضوء الذي سيصدره كان لا يزال لغزا، لغز كانوا متشوقين لحله، وبمساعدة الدولة الألمانية الجديدة فهموا كيف يتقدمون على منافسيهم، في العام 1887 استثمرت الحكومة الألمانية الملايين في مركز جديد للبحوث التقنية في برلين، ثم في العام 1900 وظفوا عالماً ذكيا يتمتع بأخلاق عالية للمساعدة بالعمل هناك، كان اسمه "ماكس بلانك"، درس بلانك مشكلة بدت بسيطة بشكل مخادع؛ سبب تغير لون الضوء مع ازدياد درجة سخونة الفتيل، لفهم المشكلة التي كان يواجهها بلانك، لنتخيل أن هناك دراجة مع مصباح كهربائي قديم الطراز، ومولد قديم الطراز، من الواضح انه كلما أسرعنا أكثر كلما أصبح المصباح أكثر توهجا، وكلما ضغطنا على الدواسة أكثر كلما أنتج المولد المزيد من الكهرباء، لكن المصباح لا يصبح أكثر توهجا فحسب، بل لونه يتغير أيضاً، كلما أسرعنا كلما تبدل اللون من الأحمر إلى البرتقالي فالأصفر، إذا أسرعنا أكثر سيصبح الفتيل أكثر سخونة، لكن بالرغم من أنه يصبح أكثر توهجا، يبقى لونه كما هو؛ أصفر مائل إلى الأبيض، لما لا يصبح الضوء أكثر زرقة؟ للتحقيق في هذا قام بلانك وزملائه ببناء جهاز يسمى "مشعاع الجسم الأسود" وهو أنبوب خاص يمكن تسخينه حتى درجة حرارة محددة جداً، ووسيلة لقياس اللون أو تردد الضوء الذي أنتجه، اليوم بعد أكثر من مائة سنة يقومون بالقياسات نفسها في مركز البحوث ببرلين، لكن بدقة أكبر بكثير، عند الحرارة 841 درجة مئوية يصدر توهج بلون أحمر يميل للبرتقالي، وهو بنفس لون مصباح الدراجة التي ذكرناها اذا تحركت ببطء، إذا رفعنا درجة الحرارة إلى 2000 درجة مئوية تقريباً سيتوهج بلون ناصع أكثر بياضا، توليد ضوء بهذا التوهج واللون يتطلب طاقة 40 كيلوواط تقريباً، هذا يوازي 400 شخص يركبون دراجات ويتحركون بسرعة كبيرة، أو الطاقة التي ينتجها دراجو طواف فرنسا كلهم. بالرغم من أن الضوء أكثر بياضا، إلا أنه أحمر مائل للأبيض، وهناك القليل فقط من الأزرق، لما إنتاج الضوء الأزرق أصعب بكثير من الأحمر؟ وفي أعلى طيف الضوء الأزرق هناك ما يسمونه الأشعة فوق البنفسجية بالكاد تنتج على الإطلاق؟ حتى إذا نظرنا إلى أكثر الأشياء سخونة، كالشمس مثلاً التي تبلغ درجة حرارتها عند السطح 5000 درجة تقريباً تنتج ضوءا أبيض مرئيا في أغلب الأحيان، وتنتج القليل فقط من الأشعة فوق البنفسجية مقارنة مع حرارتها، لما يصعب إذا إنتاج الأشعة فوق البنفسجية؟ فشل المنطق الواضح هنا، حير العلماء في القرن التاسع عشر، لدرجة أنهم أطلقوا عليه إسما دراميا جداً: "كارثة الأشعة فوق البنفسجية". أخذ بلانك خطوة أولى أساسية لإيجاد حل لهذا، إذ وجد الرابط الرياضي الدقيق بين لون الضوء، تردده وطاقته، لكنه لم يفهم الصلة، غير أن خللا غريب آخر هو ما سيثير المشاكل؛ في أواخر القرن التاسع عشر كان العلماء يدرسون الموجات الإشعاعية التي كانت قد اكتشفت حديثاً وطرق انتقالها، وللقيام بهذا كانوا يبنون معدات للتجارب شبيهة بهذا: